هنا القاهرة
يمنات
أحمد سيف حاشد
أهدي ما كتبت إلى رفاقي واصدقائي وكل الناس الطيبين في اليمن.
جل المسؤولون اليمنيون هنا في سفريات دائمة بين قصيرة وطويلة .. يسيحون سياحة تذرع الدنيا طولا وعرضا شتاء وصيف .. زيارات خاصة تستبيح دمنا وفضاءات قلوبنا حتى تصيبها بكلح العتمة والقهر الثقيل.
زيارات عمل كثيرة وفارغة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تدافع عن حق مظلوم، ولا تذود عن وطن، ولا تدافع عن كرامة لطالما تم إهدارها بقصد وإمعان.
بعد شق الأنفس وطلوع الروح نصل إلى القاهرة بغرض العلاج، فيما هم يذهبون للعلاج من مصر إلى أمريكا وألمانيا وكل بلاد الفرنج، فيما شعبنا يعيش الجوع الجهل والمرض وزادوا على ذلك سجون ومغالق.
تخال ثلث أعمارهم يقضونها جوا متنقلين من طائرة إلى أخرى .. ما قضوه في الجو أكثر مما قضاه رواد الفضاء في الفضاء .. اللهما لا حسد، ولكنها مرارة وحسرة تفطر قلوبنا وتفقأ عيوننا نحن الذين جعلوا بوحنا مسيجا بالكواتم والجدران المخرسنة بالحديد.
عندما تشتاقهم أرض اليمن، وتسأل عنهم وترجوهم المكوث فيها بعد اشتياق ولهفة، فلا تجدهم إلا لماما وفي عجل .. يصدونها وينقلوبون عليها ويخبروها أنها هي للغلابة والمعذبين فيها.
السفر البعيد هنا وما أكثره إلى تركيا وامريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من البلدان البعيدة شرقا وغربا.. أما أسفارهم القصيرة فغالبا هي إلى عمان، وعمان، والرياض، ودبي وبقية إمارات الخليج، وأحيانا يعرجون على بلاد الحبش.
المواطن الكلحان في عدن ما أعوزه وهو لا يجد اجرة المواصلات من “دار سعد” إلى الشيخ عثمان، وفي صنعاء من “هايل” إلى “باب اليمن”، فيما هم يذرعوها بالطائرات غربا وشرقا، ويا طائرة طيري على كل مدينة وبندر.
الأردن تبدو لي من كثرة سفراتهم إليها أنها لا تبعد عن القاهرة مسافة رمية حجر، وإن بعدت فهي أقرب من بيتنا إلى سوق الخميس.. يتسوقونها كل يوم.. باتت سوقا لا ينقطع.. تحتار كثيرا وانت تراهم أليها بين خارج ووارد.. ماذا يصنعون وشعبنا لا يسمع منهم جعجعة ولا يرى منهم ماء أو طحين؟!!
أغلبهم هنا لا تراهم ولا تدرك أعقابهم إلا في زفاف او عزاء.. كثر الله خيرهم.. فقط عليك أن تصطحب معك علاج الضغط والسكري وإحذر من الإختناق وانقطاع النفس جراء نفاق باذخ يموج كالمحيط.
سيوفهم قاطعة وسيفيك علس وموتور، و”الوقت إذا لم تقطعه قطعك”.. تنتقل من هذا إلى ذاك لعل أحدهم يرد على هاتفك، فتكبر خيبتك، وتخلص إلى نهاية تقول أنت حيال عصابة من فساد ومافيا.
إن رد أحدهم على هاتفك تشعر أنه حال لن يتكرر إلا في العام الذي يليه هذا إن كنت محظوظا، وقد مر عليه مخاض عسر وولادة، وعليك ان تحفظ هذا الجميل العمر كله.
***
النهار هنا في صيف القاهرة يشعرك بالكآبة بسبب الحر الشديد، أما الليل فصاخب ومزدحم عكس النهار الذي وجدناه لا يخلوا من ثقل ورتابة، أو هذا ما يخامر شعوري بين نهار وليل في صيف جاف وقايض.
اليمنيون في جلهم هنا يصحون من النوم في حدود الساعة الرابعة.. التوقيت الصيفي للقاهرة يمط النهار مطا ليدخل الليل علينا قصيرا من الساعة الثامنة مساء أو قبلها بقليل، ويغبش في الصيف باكرا.
رن جرس التلفون في الصباح ليقطع حلمي الجميل والذي ربما جاء تعويضا لواقع يشي بغير ذلك، لتكتشف بعد حين أنه يوم أسوأ من سابقة.
ترن ترن ترن..
ظننت أن المكالمة من مصر وأنا أسأله من معي؟!
فأجاب: معك الرئيس.
طار النوم من عيوني وقد صرتوا كالمدهوش ألملم شواردي من هنا وهناك.. ظننت أنه “الرئيس” رشاد العليمي.. أستنفرتوا حواسي الست وأنا أسأل نفسي ما الأمر..!!
– الرئيس من؟!
أنا اسمع بخمسة أو ستة رؤساء لليمن.. رؤساء والبلاد شظايا.. لا دولة ولا ماء ولا كهرباء ولا تعليم ولا خدمات.. ولا إحساس بأي مسؤولية.. سياسة “ما بدا بدينا عليه”.
فيجيب :
– معك رئيس المجلس..
قلت معنا مجالس خيرات.. اي منهم؟!
قال: مالك أنت.. معك يحيى الراااااعي.
– حيااااك.. تحت أمرك.. أدام الله رضاك.
قال: كيف صحتك؟!
– قلت: قيد العلاج والمتابعة.. عندي اعتلال في الأعصاب الطرفية، وانزلاق بالعمود الفقري، وتضخم حميد في البروستات، واحتاج عدة عمليات في الأنف والحنجرة وعمليتين مياه بيضاء في العينين وأخرى دوالي في الخصينين، غير أسناني، فيما اخصائي القلب قال انني أحتاج من ستة أشهر إلى سنة بعد عملية القسطرة لإجراء أي عملية.
ظننت أنه يستعجل عودتي وسيبدي استعداده للمساعدة ولكنني تفاجأت أنه قال:
– اتعالج تمام ولا ترجع الا وصحتك مثل البمب..
فشكرته على اهتمامة وطول باله بعد استنفار وغموض لم أفهمه.. لم أكن أعلم مقصده..” ترجع وصحتك مثل” البمب”.
الأن فقط عرفت معنى كلام رئيس المجلس يحيى الراعي وهو يقول في اتصاله التلفوني: “لا تراجع إلا وقد تعالجت سوا.. لا ترجع إلا وصحتك مثل البمب..
كان يقصد لا ترجع الا وقد جعجعوك سوا.. إنفجر إن أستطعت.
ربما اراد أن أترحم عليه وقد وجدت هنا من هو أهول منه.
انا النائب المواطن “حجر في مدرب السيل واكثر”.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا